فصل: المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين وغيرهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.المقصد السادس في عادته في إجراء الأرزاق:

وهو على ضربين:
الضرب الأول: الجاري المستمر، وهو على نوعين:
النوع الأول: الإقطاعات:
والإقطاعات في هذه المملكة تجري على الأمراء والجند، وعامة إقطاعاتهم بلاد وأراضٍ يستغلها مقطعها ويتصرف فيها كيف يشاء، وربما كان فيها نقد يتنأوله من جهات وهو القليل، وتختلف باختلاف حال أربابها.
فأما الأمراء بالديار المصرية فقد ذكر في مسالك الأبصار أن أكابر الأمراء يبلغ إقطاع الواحد منهم مائتي ألف دينار جيشية، وربما زاد على ذلك.
ويتناقص باعتبار انحطاط الرتبة إلى ثمانين ألف دينار وما حولها، ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء الطبلخاناه ثلاثين ألف دينار فأكثر، وبنقص إلى ثلاثة وعشرين ألف دينار؛ ويبلغ إقطاع الواحد من أمراء العشرات تسعة آلاف دينار إلى ما دون ذلك؛ ويبلغ إقطاع الواحد من مقدمي الحلقة إلى ألف وخمسمائة دينار، وكذلك أعيان جند الحلقة إلى مائتين وخمسين ديناراً.
وأما إقطاعات الشام فلا تقارب هذا المقدار بل تكون بقدر الثلثين في جميع ما تقدم، خلا أكابر المقدمين بالديار المصرية، فليس بالشام من يبلغ شأوهم إلا نائب الشام فإنه يقاربهم في ذلك. قال في مسالك الأبصار: وليس للنواب في الممالك مدخل في تأمير أمير عوض أمير بل إذا مات أميرٌ صغير أو كبير طولع به السلطان فأمر مكانه من أراد ممن في خدمته، ويخرجه إلى مكان الخدمة، وأما من كان في مكان الخدمة أو ينقل إليه من بلد آخر فعلى ما يراه في ذلك.
أما جند الحلقة، فمن مات منهم استخدم النائب عوضه، وكتب بذلك رقعة في ديوان جيش تلك المملكة، ويجهز مع بريدي إلى الأبواب السلطانية فيقابل عليها من ديوان الجيش بالحضرة، ثم إن أمضاها السلطان كتب عليها يكتب ويكتب بها مربعة من ديوان الجيش، ويكتب عليها منشور.
ولجميع الأمراء بحضرة السلطان الرواتب الجارية في كل يوم: من اللحم، والتوابل، والخبز، والعليق، والزيت؛ ولأعيانهم الكسوة والشمع؛ وكذلك المماليك السلطانية وذوو الوظائف من الجند مع تفاوت مقادير ذلك بحسب مراتبهم وخصوصيتهم عند السلطان وقربهم إليه. وقال في مسالك الأبصار: وإذا نشأ لأحد الأمراء ولد، أطلق له دنانير وخبزٌ ولحم وعليق إلى أن يتأهل للإقطاع في جملة الحلقة، ثم منهم من ينقل إلى العشرة أو الطبلخاناه على حسب الحظوظ والأرزاق.
النوع الثاني: رزق أرباب الأقلام:
وهو مبلغٌ يصرف إليهم مشاهرة. قال في مسالك الأبصار: وأكبرهم كالوزير له في الشهر مائتان وخمسون ديناراً جيشية، ومن الرواتب والغلة ما إذا بسط وثمن كان نظير ذلك، ثم دون ذلك ودون دونه، ولأعيانهم الرواتب الجارية: من اللحم، والخبز، والعليق، والشمع، والسكر، والكسوة ونحو ذلك، إلى غير ذلك مما هو جار على العلماء وأهل الصلاح من الرواتب والأراضي المؤبدة، وما يجري مجراها مما يتوارثه الخلف عن السلف مما لا يوجد بمملكة من الممالك، ولا مصر الأمصار.
الضرب الثاني: الإنعام وما يجري مجراه مما يقع في وقتٍ دون وقت؛ وهو على خمسة أنواع:
النوع الأول: الخلع والتشاريف:
قال في المسالك: ولصاحب مصرفي ذلك اليد الطولى حتى بقي بابه سوقاً ينفق فيه كل مجلوب، ويحضر الناس إليه من كل قطرٍ حتى كاد ذلك ينهك المملكة ويودي بمتحصلاتها عن آخرها. قال: وغالب هذا مما قرره هذا السلطان، ولقد أتعب من يجيء بعده من كثرة الإحسان.
وهي على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: تشاريف أرباب السيف:
وهي على طبقات أعلاها ما هو مختص بالأمراء المقدمين من النواب وغيرهم فوقاني أطلس أحمر بطرز زركش مفرى بسنجاب، بدائرة سجف من ظاهره مع غشاء قندس، وتحته قباءٌ أطلس أصفر، وكلوتة زركش بكلاليب ذهب، وشاش رفيع موصول به طرفان من حرير أبيض، مرقومان بألقاب السلطان مع نقوش باهرة من الحرير الملون، ومنطقة ذهب مركبة على حاشية حرير تشد في وسطه؛ ويختلف حال المنطقة بحسب المراتب. فأعلاها أن يعمل من عمدها بواكير وسطاً ومحبسين، مرصعة بالبلخش والزمرد واللؤلؤ، ثم ما كان ببيكارية واحدة من غير ترصيع، فإذا كان التشريف لتقليد ولاية مفخمةٍ، زيد سيفاً محلى بذهب وفرساً مسرجاً ملجماً بكنبوش زركش؛ وربما زيد أكابر النواب كنائب الشام تركيبة زركش على الفوقاني، وشاش حرير سكندري مموج بالذهب. ويعرف ذلك بالمتمر. وعلى ذلك كان شاش صاحب حماة، ويكون عوض كنبوشه زناري أطلس أحمر؛ ودون ذلك من التشاريف أقبية طرد وحش من عمل الإسكندرية ومصر والشام، مجوخ: جاخاتٌ مكتوبة بألقاب السلطان، وجاخاتٌ صور وحوش أو طيور صغار، وجاخات ملونة مموجة بقصب مذهب، يفصل بين جاخاته نقوش، يركب على القباء طراز زركش، وعليه السنجاب والقندس كما تقدم، وتحته قباء من الطرح السكندري المفرج، وكلوتة زركش بكلاليب وشاش كما تقدم، وحياصة ذهب تارة تكون ببيكارية وتارة لا تكون، وهذه لأصاغر أمراء المئين ومن يلحق بهم، وكذلك أصحاب الوظائف المختصة بذلك كالجوكندار والولاة ومن يجري مجراهم.
ثم للتشاريف أماكن: منها إذا ولي أمير أو صاحب منصب وظيفة فإن يلبس تشريفاً يناسب ولايته التي وليها على حسب ما تقتضيه علواً وهبوطاً.
ومنها عيد الفطر، يخلع فيه على جميع أرباب الوظائف: من الأمراء وأرباب الأقلام كالأستادار والدوادار وأمير سلاح والوزير وكاتب السر وناظر الخاص وناظر الجيش ونحوهم، كل منهم بما يناسبه.
قال في مسالك الأبصار: ومن عادة السلطان أن يعد لكل عيد خلعة على أنها لملبوسه من نسبة خلع أكابر المئين فلم يلبسها ولكن يختص بها بعض أكابر المئين يخلعها عليه.
ومنها الميادين، يخلع فيها على أكابر الأمراء كل ميدان يختص بأمير أو أكثر يلبس فيه خلعة من المفرج المذهب.
ومنها دوران المحمل في شوال، يخلع فيه على أرباب الوظائف بالمحمل كالقاضي والناظر والمحتسب والشاهد والمقدمين والأدلة وناظر الكسوة ومباشريها ومن في معناهم.
النوع الثاني: الخيول:
قد جرت عادة صاحب مصر أن ينعم على أمرائه بالخيول مرتين في كل سنة: المرة الأولى عند خروجه إلى مرابط خيوله على القرط في أواخر ربيعها، فينعم على الأخصاء من أمرائه بما يختاره من الخيول على قدر مراتبهم، وتكون خيول المقدمين منهم مسرجة ملجمة بكنابيش من زركش، وخيول أمراء الطبلخانات عرياً من غير قماش. المرة الثانية عند لعبه الكرة بالميدان، وتكون خيول المقدمين والطبلخانات مسرجة ملجمةً بلا كنابيش؛ وكذلك يرسل نواب الممالك الشامية كل أحد بحسبه، وليس لأمراء العشرات في ذلك حظ إلا ما يتفقدهم به على سبيل الإنعام.
قال المقر الشهابي بن فضل الله: ولخاصة المقربين من الأمراء المقدمين والطبلخانات زيادات كثيرة في ذلك بحيث يصل بعضهم إلى فرس في كل سنة؛ وله أوقاتٌ أخرى يفرق فيها الخيل على مماليكه وربما أعطى بعض مقدمي الحلقة؛ وكل من مات له فرس من مماليكه دفع إليه عوضه، وربما أنعم بالخيول على ذوي السن من أكابر الأمراء عند الخروج إلى الصيد ونحوه.
ولخيول الأمراء في كل سنة إطلاقات أراض بالأعمال الجيزية لزرع القرط لخيولهم من غير خراج؛ وللمماليك السلطانية البرسيم المزدرع على قدر مراتبهم، وما يدفع إليهم من القرط يكون بدلاً من عليق الشعير المرتب لهم في غير زمن الربيع عوضاً عن كل عليقة نصف فدان من القرط القائم على أصله في مدة ثلاثة أشهر.
النوع الثالث: الكسوة والحوائص:
قد جرت عادة السلطان أنه ينعم على ممالكيه وخواص أهل المناصب من حملة الأقلام في كل سنة بكسوة في الشتاء وكسوة في الصيف على قدر مراتبهم، ومن عاداته أنه إذا ركب للعب الكرة بالميدان فرق حوائص من ذهب على بعض الأمراء المقدمين، يفرق في كل موكب ميدان على أميرين بالنوبة حتى يأتي على آخرهم في ثلاث سنين أو أربع بحسب ما تقع نوبته في ذلك. قال في المسالك: أما أمراء الشام فلا حظ لهم من الإنعام في أكثر من قباء واحد يلبس في وقت الشتاء إلا من تعرض لقصد السلطان فإنه ينعم عليه بما يقتضيه حاله.
النوع الرابع: الإنعام والأوقاف:
وأكثر الأوقات لا ضابط لعطائه إنما يكون بحسب مزية المنعم عليه عند السلطان وقربه منه. قال في مسالك الأبصار: ولخاصة الأمراء المقدمين أنواع من الإنعامات كالعقار والأبنية الضخمة التي ربما أنفق على بعضها فوق مائة ألف دينار، وكساوي القماش المنوع، وفي أسفارهم في وقت خروجهم إلى الصيد وغيره العلوفات والأموال.
النوع الخامس: المأكول والمشروب:
أعظم أسمطة هذا السلطان تكون بالإيوان الكبير أيام المواكب. إذا خرجت القضاة وسائر أرباب الأقلام من الخدمة، مد السماط بالإيوان الكبير من أوله إلى آخره بأنواع الأطعمة المنوعة الفاخرة، ويجلس السلطان على رأس الخوان والأمراء يمنةً ويسرةً على قدر مراتبهم من القرب من السلطان، فيأكلون أكلاً خفيفاً ثم يقومون، ويجلس من دونهم طائفة بعد طائفة، ثم يرفع الخوان. وأما في بقية الأيام فيمد الخوان في طرفي النهار لعامة الأمراء خلا البرانيين فإنه لا يحضره منهم إلا القليل النادر.
ففي أول النهار يمد سماطٌ أول لا يأكل منه السلطان شيئاً، ثم سماط ثانٍ بعده قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل، ثم سماط ثالث بعده يسمى الطاريء، ومنه مأكول السلطان.
وفي أخريات النهار يمد سماطان الأول والثاني المسمى بالخاص، ثم إن استدعي بطاريء حضر، وإلا بحسب ما يؤمر به، وفي كل هذه الأسمطة يسقى بعدها المشروب من الأقسما السكرية عقب الأكل. وأما في الليل فيبيت بالقرب من مبيته أطباقٌ من أنواع المآكل المختلفة والمشروب الفائق ليتشاغل أصحاب النوب بالمأكول والمشروب عن النوم. قال في مسالك الأبصار: ولكل ذي إمرة بمصر من خواص السلطان عليه السكر والحلوى في شهر رمضان، والضحية على مقادير رتبهم.

.المقصد السابع في اختصاص صاحب هذه المملكة بأماكن داخلة في نطاق مملكته يمتاز بها على ملوك الأرض من المسلمين وغيرهم:

منها الكعبة المعظمة داخلة في نطاق هذه المملكة، واختصاصه بكسوتها ودوران المحمل في كل سنة.
أما كسوة الكعبة، فإنها في الزمن الأول مختصةً بالخلفاء، وكانت خلفاء بني العباس يجهزونها من بغداد في كل سنة، ثم صارت إلى ملوك الديار المصرية يجهزونها في كل سنة، واستقرت على ذلك إلى الآن، ولا عبرة بما وقع من استبداد بعض ملوك اليمن في بعض الأعصار بذلك في بعض السنين، وهذه الكسوة تنسج بالقاهرة المحروسة بمشهد الحسين من الحرير الأسود مطرزةً بكتابة بيضاء في نفس النسج، فيها: {إن أول بيتٍ وضع للناس للذي ببكة} الآية.
ثم في آخر الدولة الظاهرية برقوق استقرت الكتابة صفراء مشعرة بالذهب. ولهذه الكسوة ناظر مستقلٌ بها، ولها وقف أرض بيسوس من ضواحي القاهرة يصرف منها على استعمالها.
وأما دوران المحمل، فقد جرت العادة أنه يدور في السنة مرتين: المرة الأولى في شهر رجب بعد النصف منه، يحمل وينادي لأصحاب الحوانيت التي في طريق دورانه بتزيين حوانيتهم قبل ذلك بثلاثة أيام، ويكون دورانه في يوم الاثنين أو الخميس لا يتعداهما، ويحمل المحمل على جمل وهو في هيئة لطيفة من خركاه وعليه غشاءٌ من حرير أطلس أصفر، وبأعلاه قبة من فضة مطلية ويبيت في ليلة دورانه داخل باب النصر بالقرب من باب جامع الحاكم، ويحمل بعد الصبح على الجمل المذكور ويسير إلى تحت القلعة، فيركب أمامه الوزير والقضاة الأربع والمحتسب والشهود وناظر الكسوة وغيرهم، ويركب جماعة من المماليك السلطانية الرماحة ملبسين المصفات الحديد المغشاة بالحرير الملون، وخيولهم ملبسة بالبركستوانات والوجوه الفولاذ كما في القتال، وبأيديهم الرماح، عليها الشطفات السلطانية فيلعبون تحت القلعة كما في حال الحرب، ومنهم جماعة صغار بيد كل منهم رمحان يديرهما في يده وهو واقف على ظهر الفرس، وربما كان وقوفه في نعل من خشب على ذباب سيفين من كل جهة؛ وهو يفعل كذلك ويهيئوا من أزيار النفط وغيرها جملة مستكثرة، ويطلق تحت القلعة في خلال ذلك، ثم يذهب إلى الفسطاط فيمر في وسطه، ثم يعود إلى تحت القلعة ويفعل كما في الأول إلا أنه أقل من ذلك؛ ثم يحمل من جامع الحاكم ويوضع في مكان هناك إلى شوال؛ وفي خلال ذلك كله الطبلخانات والكوسات السلطانية تضرب خلفه، ويخلع فيه على جماعة مستكثرة؛ وكذلك يفعل في نصف شوال إلا أنه يرجع من تحت القلعة إلى باب النصر ويخرج إلى الريدانية للسفر ولا يتوجه إلى الفسطاط.

.المقصد الثامن في انتهاء الأخبار:

وهو على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: أخبار الملوك الواردة عليه مكاتبات منهم:
وقد جرت العادة أنه إذا وصل رسولٌ من ملك من الملوك إلى أطراف مملكته كاتب نائب تلك الجهة السلطان عرفه بوفوده، واستأذنه في إشخاصه إليه، فتبرز المراسيم السلطانية بحضوره فيحضر. فإذا وقع الشعور بحضوره فإذا كان مرسله ذا مكانة عظيمة من الملوك: كأحد القانات من ملوك الشرق، خرج بعض أكابر الأمراء كالنائب وحاجب الحجاب ونحوهما للقائه، وأنزل بقصور السلطان بالميدان الذي يلعب فيه الكرة، وهو أعلى منازل الرسل. وإن كان دون ذلك تلقاه المهمندار واستأذن عليه الدوادار وأنزله دار الضيافة أو ببعض الأماكن على قدر رتبته، ثم يرتقب يوم موكبٍ فيجلس السلطان بإيوانه، وتحضر أعيان المملكة الذين شأنهم الحضور من أرباب السيوف والأقلام، ويحضر ذلك الرسول وصحبته الكتاب الوارد معه، فيقبل الأرض ويتنأول الدوادار الكتاب منه فيمسحه بوجه الرسول، ثم يدفعه إلى السلطان فيفضه ويدفعه إلى كاتب السر فيقرؤه على السلطان ويأمر فيه أمره.
النوع الثاني: الأخبار التي ترد عليه من جهة نوابه:
عادة هذا السلطان أن يطالعه نوابه في مملكته بكل ما يتجدد عندهم من مهمات الأمور أو ما قاربها، وتؤخذ أوامره وتعود أجوبته عليهم من ديوان الإنشاء بما يراه في ذلك، أو يبتدئهم هو بما يقتضيه رأيه، وينفذ على البرد أو أجنحة الحمام الرسائلي على ما يأتي ذكره في المقالة الثالثة من الكتاب أن شاء الله تعالى.
وقد جرت العادة أنه إذا ورد بريدٌ من بلد من بلاد المملكة أو عاد المجهز من الأبواب الشريفة بجواب، أحضره أمير جاندار والدوادار وكاتب السر بين يدي السلطان فيقبل الأرض، ثم يأخذ الدوادار الكتاب فيمسحه بوجه البريدي، ثم ينأوله للسلطان فيفضه ويجلس كاتب السر فيقرؤه عليه ويأمر فيه أمره.
وأما بطائق الحمام، فإنه إذا وقع طائر من الحمام الرسائلي ببطاقة أخذها البراج وأتى بها الدوادار، فيقطع الدوادار البطاقة عن الحمام بيده، ثم يحملها إلى السلطان ويحضر كاتب السر فيقرؤها كما تقدم.
النوع الثالث: أخبار حاضرته:
جرت العادة أن والي الشرطة يستعلم متجددات ولاياته من قتل أو حريق كبير أو نحو ذلك في كل يوم من نوابه، ثم تكتب مطالعةٌ جامعةٌ بذلك وتحمل إلى السلطان صبيحة كل يوم فيقف عليها. قال في مسالك الأبصار: وأما ما يقع للناس في أحوال أنفسهم فلا.

.المقصد التاسع في هيئة الأمراء بالديار المصرية وترتيب إمرتهم:

واعلم أن كل أمير من أمراء المئين أو الطبلخانات سلطان مختصر في غالب أحواله، ولكل منهم بيوت خدمة السلطان من الطشت خاناه، والفراش خاناه، والركاب خاناه، والزردخاناه، والمطبخ، والطبلخاناه، خلا الحوائج خاناه فإنها مختصة بالسلطان، ولكل واحد من هذه البيوت مهتار متسلم حاصله، وتحت يده رجال وغلمان لكل منهم وظيفة تخصه، وكذلك لكل منهم الحواصل من إصطبلات الخيول ومناخات الجمال وشون الغلال؛ وله من أجناده أستادار، ورأس نوبة، ودوادار، وأميرة مجلس، وجمدارية، وأميراخور، وأستادار صحبة، ومشرف. وتوصف البيوت في دواوين الأمراء بالكريمة، فيقال البيوت الكريمة كما يقال في بيوت السلطان البيوت الشريفة، وكذلك كل فرد منها فيقال: الطشت خاناه الكريمة والفراش خاناه الكريمة، وكذا الباقي؛ ويوصف الإصطبل بالسعيد فيقال الإصطبل السعيد، وكذلك المناخ؛ وتوصف الشون بالمعمورة فيقال للشونة المعمورة. قال في مسالك الأبصار: ومن رسم الأمراء أن يركب الأمير منهم حيث ركب وخلفه جنيب مسرجٌ ملجمٌ، وربما ركب الأمير من أكابرهم بجنيبين سواء في ذلك الحاضرة والبر. قال: ويكون لكل منهم طلب مشتمل على أكثر مماليكه، وقدامهم خزانة محمولة للطبلخاناه على جمل واحد، يجره راكب على جمل آخر، الألف على جملين وربما زاد بعضهم على ذلك. وأمام الخزانة عدة جنائب تجر على أيدي مماليك ركاب خيل وهجن، وركابة من العرب على هجن، وأمامهم الهجن بأكوارها مجنوبة، للطبلخاناه قطار واحد وهو أربعة، ومركوب الهجان والألف قطاران وربما زاد بعضهم. قال: وعدد الجنائب في كثرتها وقلتها إلى رأي الأمير وسعة نفسه، والجنائب المذكورة منها ما هو مسرجٌ ملجمٌ، ومنها ما هو بعباءة لا غير. انتهى كلامه.
ومن عادتهم أيضاً أن الأمير إذا ركب يكون أكابر أجناده من أرباب الوظائف: كرأس نوبة والدوادار، وأمير مجلس، ومشاة الخدمة أمامه؛ وكل من كان منهم أكبر كان إليه أقرب؛ وتكون الجمدارية من مماليكه الصغار خلفه وأميراخوره خلف الجميع، ومعه الجنائب والأوشاقية على قاعدة السلطان في ذلك.
ومن عادة أكابر مجالس بيوتهم أنه ينصب للأمير بشتميخ خلف ظهره من الجوخ الأحمر المزهر بالجوخ الملون، برنك ذلك الأمير وطراز فيه ألقابه، ويجلس على مقعد مسنداً ظهره إلى البشتميخ، وربما جلس أكابرهم على مدورة من جلد ورجلاه على الأرض، وتكون الناس في مجلسه في القرب إليه على حسب مراتبهم.
ومن عادة كل أمير من كبير أو صغير أن يكون له رنك يخصه ما بين هناب أو دواة أو بقجة أو فرنسيسية ونحو ذلك، بشطفه واحدة أو شطفتين، بألوان مختلفة، كل أمير بحسب ما يختاره ويؤثره من ذلك، ويجعل ذلك دهاناً على أبواب بيوتهم والأماكن المنسوبة إليهم كمطابخ السكر، وشون الغلال، والأملاك والمراكب وغير ذلك، وعلى قماش خيولهم من جوخ ملون مقصوص، ثم على قماش جمالهم من خيوط صوف ملونة تنقش على العبي والبلاسات ونحوها، وربما جعلت على السيوف والأقواس والبركصطوانات للخيل وغيرها.
ومن عوائد أمراء العسكر بالحضرة السلطانية أنهم يركبون في يومي الاثنين والخميس في المراكب منضمين على نائب السلطنة الكافل إن كان، وإلا فعلى حاجب الحجاب، ويسيرون تحت القلعة مراتٍ، ثم يقفون بسوق الخيل وتعرض عليهم خيول المناداة، وربما نودي على كثير من آلات الخيل والخيم والخركاوات والأسلحة. قال في مسالك الأبصار: وقد ينادى على كثير من العقارات، ثم يطلعون إلى الخدمة السلطانية على ما تقدم.
ومن قاعدة هذه المملكة أن أجناد الأمراء كافة تعرض بديوان الجيوش السلطانية وتثبت أسماؤهم مفصلة فيه، وكانوا فيما تقدم يحلون بالديوان. أما الآن فقد ترك ما هنالك واكتفي بأوراق تكتب من دواوين الأمراء بأسماء أجناده وتخلد بديوان الجيوش، ثم كلما مات واحد منهم أو فصل من الخدمة عرض بديوان الجيش واحد مكانه يعبر فيه عرض من ديوان ذلك الأمير.
ومن عادتهم أن من مات من الأمراء والجند قبل استكمال سنة خدمته حوسب في مستحق إقطاعه على مقدار مدته، وكتب له بذلك محاسبة من ديوان الجيوش، ويكون ما يتحصل من المغل شركة بين المستقر وبين الميت أو المنفصل على حسب استحقاق القراريط، كل شهر من السنة بقيراطين.
ومن عادة الأمراء أنه مر السلطان في متصيداته بإقطاع أمير كبير، قدم له من الإوز والدجاج وقصب السكر والشعير ما تسمو إليه همة مثله فيقبله منه، ثم ينعم عليه بخلعة كاملة يلبسها، وربما أمر لبعضهم بشيء من المال فيقبضه.